قصة انسان عاش في بلاد الغربة لكنه ظل وفيا لوطنه، إن الغربة هي الموت البطيء بسبب البعد عن الأهل والوطن، والبعد عن التفاصيل وذكريات الماضي عن المكان الذي ولد فيه الإنسان، هذه الذكريات سواء كانت سعيدة أم حزينة هي ملامحنا التي نحملها معنا منذ الولادة حتى نهاية الرحلة، يكثر أسباب الغربة فمنها ما يكون بهدف الدراسة، أو كسب العيش، وقد تكون بسبب انعدام الأمن والحروب أو أسباب سياسية أخرى، الأهم من الهجرة عن الوطن هو الوفاء للوطن.
معنى الغربة عن الوطن
قال تعالى في الكتاب المقدس بعد بسم الله الرحمن الرحيم “ولو أنّا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم” (سورة النساء – الآية ٦٦)، فالغربة عن الوطن تعادل قتل النفس كما قاله سبحانه وتعالى، والاغتراب هو الشعور بحاجة ماسة إلى الوطن، مهما كانت مغريات الغربة، حتى وإن كان الاغتراب نتيجة لظروف خاصة ربما لم تستطع أن تقاومها وقتها، عد الآن فحين يعود المغتربون إلى أوطانهم سيواجهون صعوبة التغير، تغير الأماكن، تغير الصحبة، تغير الثقافات والعادات، إن الذي يغترب عن وطنه اغترب عن نفسه، ويتنكر لتاريخه، فالوطن كالكائن لا يظل على حاله، بل يتغير مع تغير ظروف الحياة.
ماذا تعلمنا تجربة النبي (ص)
نتعلم من عبر تجربة النبي عليه الصلاة والسلام في هرجته أن الفراق عن الوطن، لا يعني التوقف عن العطاء، وتعطيل الإنتاج، وفقد الأمل، فقد زاد عطاؤها عليه السلام في المدينة بعد هجرته من مكة، ولكنه لم يوقف الحنين لوطنه الذي تركه مكرها، إن الاغتراب ليس نهاية المطاف، والسفر عن الوطن لا يعني الانشقاق عنه أو تجاوزه، يظل الأمل رغم قسوة الظروف، بمعنى أن الظروف الصعبة التي تجبر الملايين على الهجرة وترغمهم عليها ليست سوى تحديات، يجب أن تعمق شعورك بالحنين للوطن والانتماء له.
مغترب يحن إلى للوطن
بعد صدور نتائج الثانوية العامة للشاب محمد، قرر أن يهاجر لدراسة الطب، في علامته عالية وتمكنه من دراسة هذا التخصص الذي طالما أحبه وتمناه، غادر محمد بلاده ليتعلم، ودع أهله ورفاقه ثم صعد للطائرة متوجها إلى أمريكا، هناك التحق بإحدى الجامعات ولكنه لم يستطع أن لا يفكر في أهله ووطنه، عند تناول الطعام، كان يتذكر طعام بلاد ورائحتها الذكية،كان وفيا لوطنه إلى درجة لم يكن يتخيلها هو، وعندما حان وقت العودة، سجد على أرضه فوق ترابه سجدة شكر لله على عودته ونعمة وجوده فيه.
هكذا هو الحنين للوطن، إنه انتماء الإنسان إلى نفسه، هو شعورك بأنك موجود فعلا، فالانتماء الحقيقي يظهر عندما تجبرك الظروف على التغرب، فتسلم نفسك إلى قدرك وتترك قلبك يحلق في سماء وطنك الأصلي.