ما المراد بالذين تبوؤوا الدار، أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم هداية للناس ورحمة للعالمين، وهو المعجزة الخالدة التي بعث بها سيدنا محممد صلّ الله عليه وسلم، وهي معجزة خالدة الى يوم الدين وصالحة لكل زمان ومكان، تحدى الله بها الكافرين والمنافقين، والقرآن الكريم هو المصدر الاول من مصادر التشريع في الاسلام، حيث جاءت السنة النبوية موضحة ومفسرة للاحكام والتشريعات الواردة في القرآن الكريم، وتتضمن الايات اعجاز الله في الخلق وقصص الانبياء والمرسلين السابقين، ولقد أمر الله تعالى المسلمين بالتدبر بايات القرآن الكريم وفهم معانيه، وسنوضح في مقالنا اليوم ما المراد بالذين تبوؤوا الدار في الاية الكريمة ” {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}”.
تفسير آيات القرآن الكريم
ان التفسير لايات القرآن الكريم هو بمعنى الكشف والبيان، وفي الاصطلاح فان التفسير يعني فهم كتاب الله تعالى الذي أنزله على سيدنا محمد صلّ الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج الاحكام والحكم والدروس المستفادة من كل اية، وللتفسير اهمية كبيرة تنعكس على حياة المسلمين منها ان التفسير يعين المسلم على فهم اوامر الله وتشريعاته وفهم المراد منه، والغاية العظمى من القرآن الكريم هو العمل بما جاء به من أحكام زآداب وهذا لا يكون الا من خلال فهم اياته وتدبر معانيه.
المراد بالذين تبوؤوا الدار
ان المراد بالذين تبوؤوا الدار في قوله تعالى ” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” وهذه الاية من سورة الحشر وهي الاية التاسعة، والمقصود بهم هم الانصار الذين اتخذوها المدينة مدينة الرسول صلّ الله عليه وسلم فابتنوها منازل،وفيما يأتي تفسير الآية الكريمة كاملةً:
- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ}، وهم الأوس والخزرج من الأنصار الَّذين آمنوا بالله ورسوله طوعًا ومحبةً واختيارًا، وآووا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنعوه من أعدائه، كما منعوه مما يمنعون عنه أنفسهم، واتخذوا المدينة المنورة منزلًا ومسكنًا وجعلوها موئلًا ومرجعًا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون.
- قوله تعالى: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، وإنَّ من جملة أوصافهم الجميلة محبتهم لأحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين.
- قوله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}، ومن أوصافهم أيضًا أنَّهم لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.
- قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها.
- قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، إنَّ فلاح المسلم وفوزه برضى الله -عزَّ وجلَّ- مقترنٌ بالوقاية من شحِّ النفس، حيث إذا وصل المسلم إلى هذه الدرجة فإنَّ نفسه وماله سيهون عليه في سبيل الله -عزَّ وجلَّ- وسبيل مرضاته.
سبب نزول الاية الكريمة “وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ”
وقد ورد عدد من الروايات في سبب نزول هذه الآية، أصحها هو ما رواه البخاري ومسلم، أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصابني جوع، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: من يضيف هذا الليلة رحمه الله، فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فاصطحبه إلى بيته، فقال لامرأته: هل عندك شيء قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فدعيهم يتلهون بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل. فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)؛ وفي رواية البخاري: فأنزل الله قوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}. وقد جاء في بعض الروايات، أن الصحابي الذي استضاف ذلك الرجل هو أبو طلحة رضي الله عنه.
الدروس المستفادة من الاية الكريمة
القرآن الكريم له العديد من الفوائد والثمار الطيبة على حياة المسلم، حيث يشمل على التوجيهات والاحكام والقصص عن الامم السابقة والصالحين، والتي تنظم حياة المسلم وتساعده على اكمالها بالوجه الصحيح، لذلك لا ينبغي للمسلم أن يكتفي بالقراءة فحسب بل عليه ان يفهم ويتدبر المعاني والعبر الواردة فيه، فان رسالة الاسلام الاولى هي التدبر والتأمل والاستدلال على وجود الله تعالى بالادلة والبراهين، فالتدبر والتأمل يزيد من المسلم في التعرف على الله وعظمته، ويزيد من تعلق العبد بالله ويامانه به، ومن الدروس المستفادة التي ننلخصها من الاية الكريم ” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، هي ما يلي:
- فضلت الآية الكريمة أنَّ المهاجرين على الأنصار؛ إذ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قدمهم بالذكر وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، فدل على أن الله تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة.
- أنَّ الأنصار كانوا يأثرون المهاجرين على أنفسهم، ويعطونهم رغم حاجتهم ويقاسموهم في البيوت والاكل والمعاش، وقد امتدح الله هذه الصفة بهم، وهذا يعلِّم المسلم أهمية التعاون وعدم ردِّ المحتاج.
- ينبغي للمسلم السعي وراء الوقاية من الشح والبخل والابتعاد عنهما، لأنَّه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه باتباع أوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه.
والى هنا نكون وصلنا الى نهاية مقالنا والذي تعرفنا من خلاله على ما المراد بالذين تبوؤوا الدار، وتحدثنا فيه عن معنى تفسير ايات القرآن الكريم واهميته على حياة الانسان، كما وصحنا سبب نزول الاية الكريمة وما هي الدروس والعبر المستفادة منها.