لماذا سمي الخضر بهذا الاسم، أنزل الله عزوجل على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام معجزة القرآن الكريم، وهو كتاب الله تعالى المتعبد بتلاوته، والذي يعتبر دستوراً شاملاً للأمة بما فيه من أحكام وتوجيهات ودروس وعبر وأمثال؛ كما أن آيات القرآن الكريم وسوره اشتملت على العديد من القصص القرآنية التي كانت فيها العبر والدروس لأولي الألباب، فمن هذه القصص قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر التي جاءت في سورة الكهف.
قصة سيدنا موسى مع الخضر
في يوم من الأيام خطب سيدنا موسى عليه السلام يوماً في قومه مبيناً لهم أنه أعلم من في الأرض حينئذ، ولم يقم بنسب هذا العلم إلى الله تعالى، فقد أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام أن ثمة من في الأرض من هو أعلم منه، وقد سأل موسى ربه أن يلتقي بهذا الرجل، وأمره بأن يأخذ معه مكتلاً ويضع فيه حوتاً، وأنه متى ما فقد الحوت فسوف يجد ما يدعى بالخضر.
انطلق سيدنا موسى عليه السلام مع فتاه “يوشع بن نون”، وفي طريقهما أوى سيدنا موسى عليه السلام وفتاه إلى صخرة يستريحان عندها، وقد تسلل الحوت الذي كان معهم الى خارج المكتل من دون أن يشعرا، وبعد أن مضيا في طريقهما، أمر موسى عليه السلام فتاه أن يحضر غداءهما، فقال له فتاه أنهما نسيا الحوت عند الصخرة، فارتدا على آثارهما حتى يرجعا إلى الصخرة. عندما وصلا إليها وجدا عندها شيخاً كبيراً، فطلب منه موسى أن يعلمه مما علمه الله، فانطلق بسيدنا موسى في رحلة رأى فيها النبي أفعالاً ظاهرها إيذاء وشر، حيث أن الخضر قام بخرق السفينة التي ركباها، ثم بعد ذلك قتل غلاماً رآه في طريقه، وأقام جدار قوم رفضوا أن يضيفوهما، وبعد أن بين الخضر لموسى عليه السلام سبب فعله لكل تلك الأمور أيقن موسى عليه السلام أن العلم هو فضل الله تعالى الذي يؤتيه إلى من يشاء من البشر.
نبذه عن الخضر
اختلفوا العلماء والمؤرخون في شخصية الخضر، حيث أن البعض منهم اعتبره نبياً من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قد أطال في عمره حتى يدرك الدجال فيكذبه، والبعض الآخر رأوا بأنه ولي من أولياء الله، وقيل أنه ابن آدم لصلبه؛ والقول الراجح أن الخضر هو نبي من أنبياء الله تعالى لقوله: (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )صدق الله العظيم، أي كان فعله بوحي من الله تعالى إليه.
والسبب في تسمية الخضر بهذا الاسم كما جاء عن الإمام البخاري حديثاً يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام فيه: “أن الخضر إنما سمي خضراً، لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز خلفه خضراء”.
فوائد قصة سيدنا موسى
من خلال تعرفنا على قصة الخضر مع نبي الله موسى عليه السلام؛ لابد من أننا توصلنا الى فوائد مهمة ويجب أن نتبعها، فمن هذه الفوائد هي فيما يلي:
- أن العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان هما:علم مكتسب يدركه العبد بجهده واجتهاده؛ وعلم لدني يهبه الله لمن يمن عليه من عباده.
- التأدب مع المعلم ، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب ، لقول موسى – عليه السلام – : ( هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا ) ، كما رأينا أنه يخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة ، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا ، وإقراره بأنه يتعلم منه؛ بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر ، الذين لا يظهرون للمعلم افتقارهم إلى علمه ، بل يدعون أنه يتعاونون عم وإياه.
- تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه ، فإن موسى – بلاشك – أفضل من الخضر .
- تعلم العالم الفاضل؛ للعلم الذي لم يتمهر فيه ممن مهر فيه ، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة ؛ فإن موسى عليه السلام يعد من أولي العزم من المرسلين ، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم ، ولكن في هذا في العلم الخاص ، كان عند الخضر ما ليس عنده ، فلهذا حرص على التعلم منه .
- إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى والإقرار بذلك؛ وشكر الله عليها لقوله : ( تعلمن مما علمت ) أي بمعنى : مما علمك الله تعالى.
- أن العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير ، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطريق الخير ، وتحذير عن طريق الشر أو وسيلة لذلك ، فإنه من العلم النافع . وما سوى ذلك فإما أن يكون ضارًا أو ليس فيه فائدة لقوله 🙁 أن تعلمن مما علمت رشدًا ).
- أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم ، وحسن الثبات على ذلك ، أنه ليس بأهل لتلقي العلم . فمن لا صبر له لا يدرك العلم ، ومن استعمل الصبر ولازمه ، أدرك به كل أمر سعى فيه ، لقول الخضر يعتذر عن موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه : إنه لا يصبر معه .
- أن السبب الكبير لحصول الصبر ، إحاطة الإنسان علمًا وخبرة بذلك الأمر الذي أمر بالصبر عليه . وإلا فالذي لا يدريه أو لا يدري غايته ولا نتيجته ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله : ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا ) . فجعل الموجب لعدم صبره ، عدم إحاطته خبرًا بالأمر .
- الأمر بالتأني والتثبت وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود .
- تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة ، وأن لا يقول الإنسان للشيء : إني فاعل ذلك في المستقبل ، إلا أن يقول : ( إن شاء الله ) .
- أن العزم على فعل الشيء ، ليس بمنزلة فعله ، فإن موسى قال : ( ستجدني إن شاء الله صابرًا ) فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل .
- أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء ، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها فإن المصلحة تتبع؛ وأيضاً اذا كان فهمه قاصرًا أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها أو لا يدركها ذهنه أو يسأل سؤالاً لا يتعلق بموضع البحث .
ختامنا لمقالنا فقد تعرفنا فيه على قصة النبي موسى عليه السلام مع الخضر؛ وتعرفنا أيضا على الخضر، والفوائد التي يجب أن نستفيد منها من هذه القصة.