كم جلس يونس في بطن الحوت، إنها لمن أعجب القصص التي تدل علةى قدرة الخالق سبحانه وتعالى ولطفه بعباده وتدل على شرف ذِكر الله عز و جل وعلمه المحيط بخلقه ورحمته بعبده الذي أيقن بوجود الله عز و جل وتعرف على فضل وجود الله سبحانه وتعالى وتدل هذه القصة أيضاً على طاعة سائر الكائنات الحية في البر أو البحر لله سبحانه وتعالى وفي الحديث : “حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير” ،وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحب ذكر قصة سيدنا يوسف على الصحابة وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه”. أخرجه البخاري .
رسالة سيدنا يونس عليه السلام
بعث الله تعالى يونس عليه السلام إلى أهل “نينوى” من أرض الموصل في العراق وكانت عاصمة دولة أشور ، تلك الدولة التي بسطت سلطانها على معظم بلاد آسيا وكانت من أغنى و أعظم المدن الشرقية في ذلك الزمن ، وأدت سعة الرزق بها وغناها الفاحش إلى ضلالها بإرتكاب الموبقات والمعاصي ، بالإضافة إلى هذا فقد كان أهل نينوى يعبدون الأصنام ولا يؤمنون بالله تعالى.
فدعاهم يونس عليه السلام إلى عبادة الله عز و جل ، وكذبوه وتمردوا عليه وأصروا على كفرهم وعنادهم ، فلما طال ذلك عليه من أمرهم ظن عليه السلام أنه قد أدى الرسالة وقام بالمهمة التي أمره الله بها فخرج من مدينتهم مغاضباً و وعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاثة وظل سائراً حتى أتى إلى ساحل البحر ، فوجد سفينة على أهبة السفر فطلب من أصحابها أن يركبوه معهم السفينة وبالفعل نفذوا طلب النبي.
يونس في بطن الحوت
ركب عليه السلام السفينة فلجت بهم في البحر، واضطربت وماجت بهم وجاءها الموج من كل مكان وثقلت بما فيها وكادوا يغرقون فتشاور أهلها فيما بينهم على أن يقترعوا ومن تقع عليه القرعة يلقوه من السفينة ليتخففوا منه و وقعت القرعة على نبي الله عز و جل سيدنا يونس عليه السلام فلم يرضوا على تلك القرعة فأعادوها مرة أخرى ووقعت عليه أيضاً وشمر النبي ليخلع ثيابه ويلقي بنفسه فأبوا عليه ذلك ثم أعادوا القرعة مرة أخرى وكانت المرة الثالثة و وقعت على النبي يونس عليه السلام مرة أخرى ،لما يريده الله به من الأمر عظيم .
قال تعالى : ” وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) ” [ سورة الصافات ] .
وذلك أنه لما وقعت عليه القرعة ألقى نفسه في البحر فبعث الله تعالى حوتاً عظيماً من البحر فالتقمه و أمره الله تعالى أن لا يأكل له لحماً ولا يهشم له عظماً فليس لك برزق ، فأخذه الحوت وابتلعه ولما استقر يونس عليه السلام في جوف الحوت حسب نفسه مات ، فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي فخر لله ساجداً وقال ” يارب إتخذت لك مسجداً في موضع لم يعبدك أحد في مثله ” وسمع عليه السلام تسبيح الحيتان للرحمن وتسبيح الحصى لفالق الحب والنوى ، ورب السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى ، فعند ذلك وهنالك قال ما قال بلسان الحال والمقال كما أخبر عنه ذو العزة والجلال الذي يعلم السر والنجوى ويكشف الضر والبلوى وسامع الأصوات و إن ضعفت وعالم الخفيات و إن دقت ومجيب الدعوات و إن عظمت حيث قال في كتابه المبين المنزل على رسوله الأمين : ” وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) ” [ سورة الأنبياء ].
نجاة يونس عليه السلام
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لما أراد الله حبس يونس في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت : أن خذه ولا تخدش فيه لحماً ولا تكسر له عظماً ، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حساً ، فقال في نفسه ما هذا ؟ فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت إن هذا تسبيح دواب البحر.
قال : فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه ، فقالوا : ياربنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة ! قال : ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر ، قالوا : العبد الصالح ، الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وكل ليلة عمل صالح ؟ قال : نعم فشفعوا له عند ذلك ، فأمر الحوت فقذفه في الساحل كما قال : ” فنبذناه في العراء وهو سقيم ” وألقاه الحوت على الساحل وهو ضعيف وهزيل الجسد وأنبت الله شجرة اليقطين ليأكل منها وفيه نفع كثير .
ومكث عليه السلام في بطن الحوت ثلاثة أيام سمع بها أصواتاً غريبة وتسبيح المخلوقات و أوحى الله إليه أن يسبح بالدعاء ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ” ونجاه الله من هذا الغم بعد مرور الثلاث أيام وبهذا نكون قد حصلنا على إجابة ” كم جلس يونس في بطن الحوت ” نتمنى أن تنفعكم القصة وترددوا ذلك الدعاء دوماً.