ما الدليل الوارد في النهي عن التشبه بالمشركين، بعث الله عزوجل لكل قوم نبي يحثهم على طريق الظلال والكفر والجهل الى طريق النور والعلم، أمر التشريع بتحريم التشبه بالكفار ، سواء في أعيادهم أزيائهم الخاصة بهم أو عباداتهم .
وهذه القاعدة العظيمة في التشريع ، أهمل بها الكثير من المسلمين جهلاً بدينهم ، أو اتباعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع حيث أن هذه الأمور التي يجهلها المسلمين قد عرفها اليهود الذين كانوا مقيمين في المدينة مع نبينا محمد وهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم .
ومن العجيب أن هذا الأصل ـ الذي يجهله كثير من المسلمين اليوم ـ قد عرفه اليهود الذين كانوا في المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم يريد أن يخالفهم في كل شؤونهم الخاصة بهم هناك أدلة كثيرة موجودة في الكتاب والسنة .
الدليل من السنة
1_ عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ : ( اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا ، فَقِيلَ لَهُ : انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ، قَالَ : فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني : البوق) ، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ ، وَقَالَ : هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ ، قَالَ : فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ ، فَقَالَ : هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى ، فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ ).
فأكد النبي صلى الله عليه وسلم على كراهته للبوق لأنه من أمر اليهود ، وكراهته للناقوس لأنه من أمر النصارى ، وهذا يدل على نهي الرسول عما أمر به اليهود والنصارى.
2_ عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) ، قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء
ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنها : (صوموا التاسع والعاشر ، خالفوا اليهود)
3_ وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَوْفُوا اللِّحَى ).
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً ، ثم ذكر من ذلك : قص الشوارب ، وإعفاء اللحي .
4_ وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( غَيِّرُوا الشَّيْبَ ، وَلَا تتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى ) وهذا الحديث يدل على الأمر بمخالفتهم ، والنهي عن مشابهتهم ؛ لأن بياض الشيب ليس من فعلنا ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبقاءه وعدم تغييره من التشبه باليهود والنصارى ، وقد نهى عن ذلك .
الدليل من القرآن الكريم
1_ قول الله تعالى : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) سورة الحديد آية رقم (6) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
“في قوله : (ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب) نهي عن مشابهتهم ، وهو خاص في النهي عن مشابهتهم في قسوة قلوبهم ، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي.
2_ قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )سورة البقرة آية رقم (104) .
قال ابن كثير رحمه الله ” نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص ، عليهم لعائن الله ، فإذا أرادوا أن يقولوا : اسمع لنا قالوا : راعنا ، ويورون بالرعونة ، كما قال تعالى : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) سورة النساء آية رقم (46).
و جاءت أحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا على بعضهم كاموا يقولون: ( السام عليكم ) والسام هو الموت ، ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ ( وعليكم ) وذلك لكى يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم علينا ، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولاً وفعلاً “.
فهذه الآيات والاحاديث وغيرها تؤكد على ضرورة عدم التشبه بالمشركين لا في أفعالهم ولا أقوالهم ولا أهوائهم كما امرنا الله تعالى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.